طفولة في الصومال

الأستاذ عبدالله علي

لقد ولدت وترعرعت في مقديشو، الصومال إلى أن أصبح عمري 17 عامًا. نشأتي في مقديشو خلال جيلي كانت أكثر متعة مما هي عليه اليوم. كانت مقديشو مدينة مسالمة حيث يعرف الجيران بعضهم البعض وحيث يتم تربية الأطفال من قبل القرية كلها وليس فقط الوالدين. كانت مقديشو مدينة حب بلا حقد. نادرًا ما كنا نسمع عن الانتماءات القبلية و/أو الأعمال الإجرامية.

لقد نشأت في رحاب والديّ؛ حيث كانت والدتي رحمها الله سيدة قوية تدير شؤون الأسرة. وكانالدي، رحمه الله، رجلاً بسيطًا وغير أناني وطيب القلب وقد علّمنا أن نحب الضعفاء ونعتني بهم. علّمنا أن نطالب بحقوقنا بطريقة سلميّة وعقلانيّة.

فضل المملكة العربية السعودية في حياة السيّد عبد الله علي

 

في مرحلة الشباب، كنت محظوظًا للعيش في الرياض بالمملكة العربية السعودية من أجل دراستي الجامعية. كانت سنواتي الخمس كطالب جامعي في كلية الهندسة بجامعة الملك سعود جزءًا مهمًّان حياتي.

غيّرت هذه الفترة نظرتي إلى الحياة وساعدت في بناء شخصيّتي على ما أنا عليه اليوم. كانت دروس الدين في الصباح الباكر بعد صلاة الفجر مع الشيخ عبد العزيز بن باز في مسجده من المحطات التي أثّرت في تربيتي وسلوكي الاجتماعي.

بعد تخرجي على رأس دفعة عام 1999، انتقلت إلى جدة حيث عملت مهندسًا كيميائيًّا ي شركة الكوثر لمعالجة المياه التي كان يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير سعد الفيصل؛ يرحمه الله.

لقد أتيحت لي الفرصة للعمل مع شركة ناشئة لديها طموح كبير لتكون مجموعة رائدة في مجال تحلية المياه. قابلت الشخص الذي دربني لأصبح مهندسًا جيدًا (يعدّ مرشدًا بالنسبة لي) وعزّز لي صداقات مهمة مع العديد من الأشخاص الذين مازلت على اتصال بهم حتى اليوم. شكّل الوقت الذي أمضيته في الكوثر حياتي المهنية وغيرني إلى الأبد.

تتركّز اهتماماتي البحثية على تطوير أغشية لا يمكن أن تتحلل بالبكتيريا ويمكن أن تتحمل الملوحة الشديدة والظروف الكيميائية لمياه البحر الأحمر أو الخليج العربي. أحد أهدافي أن أقوم بتطوير أغشية مصنوعة من مواد غير عضوية مثل السيليكا أو التيتانيوم والتي ستمكّننا من التغلّب على تدهور البكتيريا في نباتات التناضح العكسي.

 

أثر منحة مؤسسة الملك فيصل الخيريّة

في عام 1990 حصلت على منحة مؤسسة الملك فيصل الخيريّة لمتابعة دراستي العليا في قسم الهندسة الكيميائية بجامعة ويسكنسن في ماديسون. تضمنت المنحة تذاكر طيران لي ولعائلتي وراتب شهري للعيش في الولايات المتحدة لمدة عامين.

كنت في سن ال٢٨ عندما وصلت إلى الولايات المتحدة للمرة الأولى مع زوجتي وأطفالي الثلاثة، وكان الحماس يغمرني. كنت قد فزت وقتها بمنحة من مؤسسة الملك فيصل الخيرية لدراسة الماجستير في الهندسة الكيميائية من جامعة ويسكنسن – ماديسون، فكان الأمل يملأ نظرتي للحياة.

في الأسبوع الأول لي في ماديسون، وبينما كنت أبحث عن أثاث مستعمل لشقتي الأولى، قابلت طالب دراسات عليا كان يسعى لبيع كل أغراضه ليعود إلى بلده المنشأ. كان يبلغ من العمر 26 عامًا فقط ولم يتبق له سوى فصل دراسي واحد لإكمال درجة الدكتوراه في الإحصاء. أثناء زيارتي له في شقته مع زوجته وابنته البالغة من العمر عامين، أخبرني أن هناك أسبوعين فقط يفصلانه عن الموت. تم تشخيصه بسرطان الدم في المرحلة الرابعة. ولهذا السبب كان يسعى لبيع كل أغراضه للعودة إلى المنزل بسرعة حتى يتمكّن من قضاء الأسبوعين المتبقيين من حياته مع والديه. رؤيتي لمثل هذه المصاعب المؤسفة التي تحدث لشخص في مثل عمري كانت نقطة التحول في حياتي. أصبح لدي منظور جديد للحياة وتعلمت ألا أستهين بأيّ يوم من حياتي. هذا الأمر غيّر حياتي إلى الأبد.

الحياة المحفوفة بالتحديّات في الولايات المتحدة الأميركيّة

كانت سنتي الأولى في أمريكا مليئة بالتحديات على الصعيد العاطفي والمالي. من خلال العمل الجاد والتركيز الشديد، تمكنت من النجاح في برنامج الدراسات العليا وتحقيق المركز الأوّل على الدفعة. إحدى النصائح التي أود أن أقدمها هي أن تهتمّ بمصاعب هذا اليوم ولا تقلق بشأن المستقبل ولا ترهق نفسك بالقيام بعدّة أمور في آنٍ واحد. الحياة قصيرة وغير معروفة. يجب أن تستشعر كل يوم تعيش فيه، ويجب أن تقدم المساعدة للمحتاجين إذا كنت قادرًا على العطاء.

بالإضافة إلى ذلك، إذا كنت محظوظًا بما يكفي لإنجاب أكثر من طفل واحد، فعليك دائمًا معاملة أطفالك بعدلٍ، ولا تقلّل من أهميّة إنجازاتهم المهنية أو الاجتماعية تحت أي ظرف من الظروف. حاول دائمًا تحقيق التوازن بين حياتك المهنية والشخصية/الأسرية. تأكد من منح أسرتك الوقت الكافي وأن تحظى بأن تكون جزءًا من حياتهم طوال الوقت.

بعد التخرج من كليّة العلوم بجامعة ويسكنسن ماديسون والحصول على درجة الماجستير في الهندسة الكيميائية، تقدّمت بطلب للحصول على الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة الأميركيّة. لقد قمت بإنشاء العديد من الشركات ومازلت أعمل لحسابي الخاص حتى اليوم.

خلال إقامتي في الولايات المتحدة الأميركيّة لمدة 30 عامًا تقريبًا، لم أتوقف عن مواصلة التحصيل العلمي، فقد واصلت رحلتي التعليميّة حتى تخرجت من كلية جونز للإدارة، في جامعة رايس، وحصلت على درجة الماجستير في إدارة الأعمال في عام 2007.

أبنائي وبناتي يحقّقون إنجازات مبهرة وكلّهم ناجحون

أعيش اليوم في هيوستن بولاية تكساس مع أبنائي وبناتي السبعة. تخرج أربعة منهم من الكلية وهم: فاطمة التي درست القانون في كلية الحقوق بجامعة هارفارد وهي اليوم محامية ناجحة في تكساس، فيصل وهو مهندس كيميائي مثلي، وفايزة وهي تعمل في شركة بريتيش بتروليوم، ومنى وهي مديرة تنفيذية في شركة مايكروسفت Microsoft. كلهم لديهم وظائف واعدة.

أبنائي الثلاثة الآخرون هم: حسن وهو في كلية الطب، وحسين يدرس الهندسة الكهربائية، ومحمود البالغ من العمر 14 عامًا لا يزال في المدرسة الثانوية.

التكيّف مع الحياة في الولايات المتحدة الأميركيّة مع تربية الأطفال المسلمين هناك يُعدّ أكبر التحديات. تشبّه الولايات المتحدة الأميركيّة بأنها وعاء تنصهر فيها الثقافات، وعلى الرغم من عظمتها، إلا أنها تعاني من عيوب، تمامًا مثل أي بلد آخر، فلا يوجد مكان مثالي. إن تربية الأطفال المسلمين في أمريكا بالطريقة التي تربينا عليها في رحاب والدينا هي صراع يومي يصعب الحفاظ عليه.

لولا منحة مؤسسة الملك فيصل الخيريّة، لما كان أي شيء ممكنًا لي ولأولادي. فتحت المنحة لنا العديد من الفرص للنجاح في أمريكا. في الواقع، لقد غيرت حياتنا إلى الأبد.